أخي أردوغان, كم مرةً ينبغي أن نموت.
من الآخر, لا يتطلع الشباب الثائر في سوريا, إلى دور خارجي من أحد, يساهم معهم في تحقيق حلم أمهم سوريا, و تقليع شوكهم, و لا ينتظر أهلنا الخارجون من المساجد, و هم يقضون آخر ما تبقى لهم من أنفاس في الحياة, قبل مواجهة قوى الأمن و الشبيحة, من العالم أن ينتصر لضميره, و يتذكر إنسانيته, و هو يرى آلة القتل الأسدية الثقيلة, و هي تحصد أرواح إخوتنا و أخواتنا.
أهلي و قد صدق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم, مخبرا عنهم بأنهم على الحق ظاهرين, و أنهم لا يهمهم من خالفهم, لا يلزمون أحداً بقضيتهم, فوق ما يلزم نفسه به, و هم أيضاً غير آبهين بمن يقف مع النظام, لأنهم قد خبروا طوال خمسين عاماً كذب العصابة و إجرامها, و بربرية عائلة الأسد و عنجهيتها, و هم اليوم و مع كل إشراقة شمس, و كل جنازة تودع شهيداً لتستقبل شهيداً, تثبُت أقدامهم أكثر على طريق الحرية و الكرامة, تزداد عزيمتهم إصراراً لدحر القتلة و الخونة عن تراب سوريا الطاهر, و هم يعلمون أن طبل الهوج قد دُقّ, و أن عليهم دفع ثمن حريتهم, دما و تشريدا و اعتقال, و تخريبٍ للممتلكات, و قد اتفقوا جميعا أن هذا الثمن أبخس بكثير من يوم حريةٍ واحد, تخرج فيه سوريا من قيود الظلام.
فخفف الوطء أخي أردوغان, و هون عليك, و قلها صراحة أو كن على الحياد, فلقد اعتبرت ما يحدث لأهلنا مسألة تركية داخلية, و أرعدت و أزبدت, و عبّر أوغلو عن تداخل الشعبين الشقيقين, بتداخل اللحم و الظفر...و كنت المبتدر لدرء الظلم عن إخوتك, و لك اليوم أن تختار, بين أن تقول للقاتل أنت قاتل, أو أن تقول له حاول أن تخفي الجريمة.
إخوتنا في تركيا, الأخوة في العدالة و التنمية, لعلكم تعلمون حقا, أنه و منذ بزوغ نجم العثمانيين الجدد, نجم الدين أربكان رحمه الله, تلقفت الشعوب العربية و الإسلامية خبركم بالرضا و الشكر لله, بل كان حالها كحال الأعرابي في الحديث الشريف الذي عقل ناقته و غط في نومه, و عندما استيقظ لم يجدها, و هو في صحراء قاحلة, و الموت أصبح من اليقين, ثم إذا بالناقة تظهر أمامه, فخاطب ربه شاكرا, اللهم أنت عبدي و أنا ربك, لفرط سعادته أخطأ بالترتيب.
صفوف المصلين جنودنا, و قباب المساجد خوذاتنا, و مآذنها حرابنا, تشبيهات لا تتأتى إلا ممن يسري في عروقه الكبرياء, فروحانية المسجد تحميها قوة الإيمان بمبدأ التآخي, (لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه), و قوة الإيمان تجللها التقوى من الوقوع في الظلم, (إن أكرمكم عند الله أتقاكم), فإن علمنا أن مطلق التشبيهات شاعر تركي, سلمنا بأصالة الإنسان التركي, و إن عرفنا أن مرددها سيدخل السجن, ليخرج حفيظا على خزائن تركيا, وحاكما لسياستها. سلمنا لهم القيادة طائعين فرحين. أخي أردوغان, في سوريا صفوف المصلين تقتل, و الخوذ تقصف, و الحرابُ تهدم, من الكذّابين أدعياء الصدق.
في رمضان, و نحن ننتظر موعد الإفطار, لنروي الظمأ و نبلل العروق, نعلم يقينا أن لنا أهلا و إخوة, لا يجدون الماء ليرووا ظمأهم, و لا كسرة خبز ليسدوا جوعهم, و أنهم سيسمعون نداء المؤذّن إن سُمح له أن يُؤذّن, و لن يجدوا ما يفطرون عليه, لأن المفطرون أثابوا الصائمين, بأن يستمروا في صيامهم حتى يعودوا عن كفرهم البواح, بالإله الأسد السفاح, و يظهروا ندمهم و أسفهم لمطالبتهم بالحرية.
في رمضان, و نحن على مائدة الإفطار, نعلم يقينا أن أهلنا يفتقدون أحبتهم المرتقين إلى السماء, و أن الأم المكلومة, و الأب المكدود, إن شربا الماء و أكلا الطعام, ولم يرددا الشعب يريد إسقاط النظام, فكأنما يفطران على دماء ابنهما و جسده.
أخي أردوغان, متى كان العالم له ضمير, متى كانت الأمم المتحدة غير مجمّع للمصالح, و بورصة يتم تداول القوة فيها بدلا من الأسهم, ثم متى كان المجتمع الدولي مجتمعا أصلا, إذ كيف يستقيم و به الحاكم و المحكوم, و الآمر و الناهي.
خمسة أشهر, و لحمنا يشوى في الهواء الطلق, خمسة أشهر و روايات الاغتصاب تؤخذ عن قصص حقيقية, امتهان و تجريح, قتل و تشريد, خمسة أشهر و أهلنا يستصرخون جمعيات حقوق الحيوان, بعدما يئست من جمعيات حقوق الإنسان, خمسة أشهر و لسان حال الأسد المستشرس يقول لحاشيته:
كم من قتيل قد تركت على الفلاة ومن جريح, و تركت خلفهمُ نساءٌ عند أيتام تصيح, هل تحسبوني مجرما؟, فيرد القوم: لا و الذي خلق الأناما, اقتل جميع الناس يا ملك الوحوش لنستريح....
في رمضان, يمهلون الأسد أسبوعين جديدين, حتى يوفر دماء جديدة للإصلاح و حتى ينهي مناوراته العسكرية, التي تهدف إلى حماية أمنا سوريا, من العدوان الخارجي.
شكرا سيد أردوغان, هذا ما كانت تنتظره الأمهات, حزن جديد على موائد الإفطار.
سراييفو, كم ينبغي أن يفوت, من الوقت كم ينبغي أن يفوت, و كم مرة ينبغي أن نموت, لتحيا الحياة.
سراييفو, لا شيء إلا كلام, يقول السلام و يعني الركام, و يمشي و لو فوق بيض الحمام.
ما أشبه سوريا اليوم, بسراييفو الأمس.